يستعرض محمود حسن، كاتب هذا التقرير، أبعاد الظاهرة المتصاعدة في المجتمع المصري، مستندًا إلى بيانات رسمية وتحليلات اجتماعية توضّح المسار القلق الذي تسلكه الأسرة المصرية.
يرى ميدل إيست مونيتور أن ارتفاع معدلات الطلاق في سياق اجتماعي واقتصادي أعقد بكثير من مجرد أرقام تتداولها البيانات الحكومية.
أولًا: مؤشرات رسمية تؤكد توسّع الظاهرة
يسجل عام 2024 نحو 274 ألف واقعة طلاق في مصر، بزيادة 3.1 في المئة مقارنة بعام 2023، وفق الأرقام الحكومية. وتضع هذه الزيادة المجتمع المصري أمام تحدٍّ ضخم يعكس تآكلًا متصاعدًا في تماسك الأسرة داخل أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان.
ينحسر الوصم الاجتماعي تجاه الطلاق بصورة واضحة، بعد أن ظل عقباته الاجتماعية ثقيلة لعقود طويلة. ويكشف المسار الزمني للظاهرة اتساعها بصورة مستمرة؛ فعدد الحالات ارتفع من نحو 149 ألفًا عام 2010 إلى 222 ألفًا عام 2020، ثم إلى نحو 254 ألفًا عام 2021، وصولًا إلى 269 ألفًا عام 2022، قبل أن يتراجع قليلًا عام 2023 ويعاود الصعود بقوة في 2024.
وتتعرّض بنية الأسرة المصرية لضغط هائل مع تسجيل حالة طلاق كل 117 ثانية، في وقت تتفاقم فيه الأزمات الاقتصادية وتنهار القدرة الشرائية بفعل تراجع الجنيه وارتفاع مستويات الدَّين.
تُظهر الأرقام اختلافًا جليًا بين الريف والحضر؛ فالمدن سجلت نحو 158 ألف حالة بزيادة تتجاوز 5 في المئة، مقابل 116 ألف حالة في المناطق الريفية بزيادة طفيفة للغاية. ويبرز التأثير الأكبر بين أصحاب التعليم المتوسط، الذين يشكّلون النسبة الأعلى من المطلقين رجالًا ونساءً. كما يسجّل الرجال ذروة الطلاق بين 35 و40 سنة، بينما تظهر أعلى النسب لدى النساء بين 25 و30 سنة.
وتعكس هذه الفوارق اختلافات في نمط الحياة والتوقعات والقدرة على الصمود أمام موجة التضخم وتكلفة السلع والخدمات، في وقت لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور سبعة آلاف جنيه (أقل من 150 دولارًا).
ثانيًا: الضغوط الاقتصادية وتحوّل الزواج إلى عبء ثقيل
تدفع الأوضاع الاقتصادية نسبة كبيرة من الأزواج نحو الطلاق، إذ تشير الأرقام إلى تسجيل 31.3 حالة كل ساعة. ويربط التقرير بين ارتفاع معدلات الطلاق وبين التصورات المثالية لدى بعض الشابات عن الزواج، كما تصنعها وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تصطدم هذه التوقعات بواقع اقتصادي مرهق.
وتكشف تفاصيل تكاليف الزواج جانبًا مهمًا من الأزمة؛ فشراء شقة يتجاوز مليون جنيه، وتأثيث ثلاث غرف على الأقل، وتوفير شبكة ذهبية بنحو 100 ألف جنيه، إضافة إلى مصاريف الحفل وقائمة طويلة من الالتزامات اللاحقة. وعند بداية الحياة الزوجية، يواجه الزوجان صدمة فواتير الكهرباء والمياه والإنترنت، إلى جانب أسعار الغذاء التي تواصل الارتفاع.
وينقل التقرير شهادة مواطن يؤكد أن دخلًا شهريًا قدره خمسة آلاف جنيه كان يكفي في السابق، لكنه لا يغطّي اليوم جزءًا بسيطًا من الاحتياجات، إذ تتطلب الحياة ما لا يقل عن 15 ألف جنيه.
وتفاقم ارتفاعات الأسعار الضغوط اليومية؛ فالتضخم السنوي بلغ 12.5 في المئة في أكتوبر بعد رفع أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 13 في المئة، ما انعكس على أسعار معظم السلع.
ثالثًا: عوامل اجتماعية وقانونية تُشعِل الخلافات
تغذي الظروف الاقتصادية المتدهورة التوتر داخل البيوت، ويدفع العجز المادي بعض الأزواج إلى محاولة بيع جزء من ذهب الزوجة، ما يثير خلافات حادة تنتهي كثيرًا بالفصل القضائي.
ويرى محامٍ مختص في قضايا الأسرة أن تراجع الوصمة الاجتماعية للطلاق، إلى جانب القوانين التي تمنح المرأة حقوقًا متعددة بعد الطلاق —من شقة الحضانة إلى النفقة ودعم الدولة— يجعل إنهاء الزواج خيارًا أسهل في حالات عديدة.
ولا تقف الأسباب عند الاقتصاد والقانون؛ فزواج الفتيات في سن صغيرة، والعنف الأسري، وانعدام التوافق الجنسي، وتدخل العائلات، وتعاطي المخدرات، ومحاولات بعض الأزواج السيطرة على رواتب زوجاتهم، إضافة إلى ما تقدّمه الدراما من صور سلبية عن الزواج، كلها عوامل تسهم في ارتفاع الأرقام.
ويضيف التقرير أن الرئيس المصري نسب جزءًا من المشكلة إلى تصوّر مشوَّه صنعته الدراما لعقود، وأشار إلى الهوة بين الواقع الصعب والحياة الفاخرة التي تقدمها الأعمال الفنية.
رابعًا: تداعيات ثقيلة وحلول محتملة
تولّد الزيادة الحادة في معدلات الطلاق نتائج اجتماعية واقتصادية وأمنية واسعة، أبرزها تفكك الأسر وارتفاع عدد المطلقات إلى أربعة ملايين، ووصول أعداد المتأثرين من الأطفال إلى تسعة ملايين. وترتبط الظاهرة أيضًا بارتفاع معدلات الانحراف والإدمان والجريمة والانتحار.
وتشكّل بعض الخطابات النسوية —بحسب التقرير— عاملاً إضافيًا، إذ تروّج لفكرة أن الطلاق بداية جديدة للمرأة، وأن الاستقلال الكامل خيار متاح، بينما تتعامل المؤثرات والمشاهير مع الطلاق كحدث يُحتفى به.
وتطرح الخبيرة في العلاقات الأسرية، الدكتورة أميمة السيد، خارطة طريق تبدأ بمرحلة ما قبل الزواج، عبر حوار صريح حول القيم والدور المالي والتوقعات. وبعد الزواج، تدعو إلى ترسيخ ثقافة الحوار واحترام الخصوصية وتوزيع المسؤوليات، مع اللجوء إلى التحكيم الأسري ثم الاستشارات الأسرية عند تعقّد الخلافات، بدلًا من التوجه مباشرة إلى الطلاق.
https://www.middleeastmonitor.com/20251209-why-are-divorce-rates-rising-in-egypt/

